مصر الكبرى
إعصار بولا.. فضيحة جنسية تهز أركان إدارة أوباما!
«بالأمس ذهبت إلى البيت الأبيض وطلبت من الرئيس أن يقبل استقالتي من منصبي كمدير للمخابرات المركزية (CIA) لأسباب شخصية.. بعد زواج دام أكثر من 37 عاما أسأت تقدير الأمور ودخلت في علاقة غير شرعية»..
هكذا بدأ الجنرال المرصع بـ4 نجوم ديفيد بترايوس كلمته المكتوبة للعاملين بوكالة المخابرات المركزية، خطاب استقالة واعتذار علني في ذات الوقت. كانت زيارة الجنرال الشهير وهو يحمل بين جنبات قلبه خزي فضيحة جنسية، هو آخر ما يريده الرئيس الأميركي في اليوم التالي لفوزه بانتخابات الرئاسة، ومع ذلك بدا الرئيس شاكرا للظروف، فهو الرجل المحظوظ الذي منحته الطبيعة متمثلة في إعصار «ساندي» بقاء في البيت الأبيض، ولو أن هذه الفضيحة الخاصة بمدير أهم مؤسسة أميركية أعلنت قبل الانتخابات بيوم أو يومين لربما تغيرت نتيجة انتخابات الرئاسة تماما، خصوصا أن بترايوس لم يعترف طواعية بما حدث ولكن الفضيحة جاءت بالصدفة ضمن تحقيقات كان يقوم بها مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) في قضية مقتل السفير الأميركي في بنغازي كريستوفر ستيفنز والذي قتل في هجوم على القنصلية الأميركية لدى ليبيا في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ومعه اثنان من ضباط وكالة المخابرات المركزية. فهل نحن أمام لعنة بنغازي، أم هو إعصار بولا بروودويل عشيقة الجنرال بترايوس التي كانت تمتلك كلمة السر لكومبيوتر رئيس الجواسيس في العالم؟
القصة المعلنة لمقتل السفير والتي روجت لها إدارة أوباما وحملته الانتخابية هي أن السفير قتل ضمن اعتداء عشوائي جاء نتيجة لرد فعل المسلمين تجاه الفيلم المسيء للرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي أنتجه مسيحي مصري مهاجر في ولاية كاليفورنيا. إلا أن النتائج الأولية للتحقيقات قالت إن وكالة المخابرات وكذلك إدارة أوباما كانت تعلم أن ما حدث في ليبيا هو عملية إرهابية كان مخططا لها قبل قضية الفيلم المسيء، وربما عرف بذلك الرئيس ومعه الجنرال وفي هذا تضليل للرأي العام الأميركي. وبكل تأكيد ستكون تفاصيل ما كان يعلمه أوباما أو لا يعلمه هي محط أسئلة لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ والتي كان مقررا أن يحضرها بترايوس الأربعاء المقبل، ولكن بعد الاستقالة ستوجه الأسئلة إلى نائب بترايوس. نحن الآن وبعد الأربعاء سنجد أنفسنا في بداية قصة تلفزيونية مشوقة بفضيحة جنسية تحمل في ثناياها كل ملامح الفضائح الكبرى التي قد تسبب إرباكا للرئيس أوباما، على غرار فضيحة «ووترغيت» التي أطاحت بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، أو فضيحة إيران – كونترا التي كان بطلها الكولونيل أوليفر نورث والتي كادت تهدم أركان إدارة الرئيس رونالد ريغان، فهل تفعل فضيحة بترايوس ما فعلته «ووترغيت» بنيكسون، أو مونيكا لوينسكي بإدارة بيل كلينتون، أو أوليفر نورث بإدارة ريغان؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة المقبلة.
قضية مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز في بنغازي ومعه ضباط الـ«سي آي إيه» كانت أساسية في الأيام الأخيرة من مناظرات وجدل انتخابات الرئاسة الأميركية وكانت نقطة ضعف لدى الرئيس باراك أوباما ولكن منافسه ميت رومني كان ينقصه الدليل الدامغ الذي يؤكد من خلاله للأميركيين أن أوباما فشل في التعامل مع الاعتداء على القنصلية وأن هذا الفشل كان نتيجة قصور في الحركة، بينما كانت المعلومات متوفرة لدى الجميع. ولكن كل هذه الأمور ستكتشف في التحقيقات التي ستجريها لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع، وربما تحت ضغط شعبي قد تنقل جلسة الاستماع السرية في لجنة المخابرات إلى جلسة علنية.. لندخل في عرض درامي وتلفزيوني مثير ومستمر قد يصل إلى مستوى فضيحة إيران – كونترا التي كان بطلها الكولونيل نورث في الثمانينات من القرن الماضي، أو فضيحة نيكسون في أوائل السبعينات. هذا مع زيادة في كاميرات التلفزة والفضائيات لتجعل من فضيحة بترايوس الجنسية ليست فضيحة مدير جهاز للمخابرات وإنما فضيحة جنرال كان ينظر إليه على أنه بطل قومي وواحد من أهم الجنرالات التي أنجبتهم أميركا في القرن الماضي.
أتيحت لي فرصة لقاء الجنرال بترايوس ثلاث مرات عندما كان قائدا للمنطقة المركزية وقبلها عندما كان يدير الحرب في العراق وأفغانستان في لقاءات محدودة لا يزيد عدد الحاضرين فيها على خمسة أشخاص أو ستة، وكان أول ما يلفت النظر في شخصية الجنرال هو أنه جنرال مثقف بالمعنى الجاد والأكاديمي للكلمة، جنرال نادر من حيث القدرات العقلية الباهرة. ولمَ لا وهو الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون، وكان يقول إن أهم أمنياته ليس أن يترشح لرئاسة أميركا كما كان يدعوه المعجبون به ولكنه كان يتمنى بعد التقاعد أن يصبح رئيسا لجامعة برنستون؟! نجم الجنرال بترايوس بدأ في اللمعان بعد حرب 2003 على العراق، حيث كان أيامها جنرالا بـ3 نجوم يدير مناطق الأكراد وهو الذي احتفظ للأكراد بكركوك ولولا بترايوس لتغير مصير القضية الكردية.. إذ يدين قيادات الأكراد للجنرال بترايوس بالكثير، ثم بعدها أصبح اسم الجنرال بترايوس مرتبطا بزيادة القوات كحل نهائي لانهيار الوضع في العراق في ما عرف بـ«السيرج» surge. بعدها أصبح قائدا للمنطقة المركزية ثم بعدها أدار الحرب في باكستان بعد أفول نجم جنرال آخر من أهم جنرالات العصر الحديث وهو ستانلي ماكريستال والذي أقاله أوباما بعد أن تلفظ بعبارات خارجة في حديثه مع أحد الصحافيين.
كيف لجنرال بحجم وقدرات ديفيد بترايوس أن يسقط هذه السقطة الأخلاقية ويدخل في علاقة مع امرأة متزوجة كانت تكتب كتابا عنه؟! ذلك الكتاب الذي وصل إلى قائمة أحسن الكتب مبيعا على قائمة «نيويورك تايمز» وهو المعنون بـ«All in: The Education of General Patreaus»، ويا له من عنوان كاشف عن ملامح فضيحة لو قرأناه بيقظة!
السيدة التي كتبت الكتاب، بولا بروودويل، هي ضابط بالجيش الأميركي، أيضا خريجة كلية ويست بوينت العسكرية الشهيرة مثلها في ذلك مثل الجنرال بترايوس نفسه، وهي تحضر لدرجة الدكتوراه في علوم الحرب في «كينغز كوليج» بلندن. امرأة شابة وقوية كانت ترافق بترايوس في الجري لمسافات طويلة، امرأة ذكية، كتبت كتابا متميزا ليس عن بترايوس فحسب ولكن عن فن الحرب وتجربة بترايوس في تركيب نموذج جديد للقتال في المدن وحروب العصابات. ظني أن الجنرال سقط في حبائل المرأة نتيجة الوحدة في أفغانستان وتحت ضغط الحرب وتأثير امرأة ذكية. ومع ذلك لا يصدق الأميركيون أن جنرالا بكل هذا الذكاء كانت معلقة عليه الآمال كرئيس محتمل لأميركا يسقط هذه السقطة، الشيء نفسه الذي أحس به الأميركيون عندما علموا بسقطة رئيسهم الأسبق بيل كلينتون وفضيحته الجنسية مع المتدربة في حينها مونيكا لوينسكي. دائما ما يصاب الأميركيون بخيبة الأمل في أي قيادة من العيار الثقيل فكريا وأكثر قادتهم جاذبية في الداخل والخارج.
مكتب التحقيقات الفيدرالي هو الذي أطلق صفارة الإنذار عندما اكتشف أن بولا بروودويل كانت تملك كلمة السر لـ«إيميل» وكومبيوتر الجنرال الذي كان يقود أخطر مؤسسة جاسوسية في العالم، وربما اطلعت على أمور سرية للغاية. وربما ستزداد رقعة التحقيقات حول المرأة وعلاقاتها بدول أجنبية من عدمها، ومن غيرها عرف ما كانت تعرف من «إيميلات» أهم قائد للجواسيس في العالم. هذه هي مادة الروايات العظيمة أو مادة الأفلام الدرامية الطويلة.. لذا علينا أن نتأهب لعرض تلفزيوني سيلهي أميركا والعالم عن قضايا الشرق الأوسط الملحة أو قضايا الكساد الاقتصادي العالمي.
كان أوباما محظوظا عندما أهدته الطبيعة إعصار «ساندي» ليبقي عليه في البيت الأبيض، ولكن على ما يبدو أن إعصار بولا بروودويل وديفيد بترايوس سيهز أركان إدارة أوباما في أول ولايته الثانية ويجعل من الفضيحة سحابة سوداء فوق مراسم تنصيب الرئيس.. من فضلك لا تعبث بالريموت كنترول ولا تغير القناة، فالعرض مثير للغاية.