الحراك السياسي
الإمام الأكبر: نقدر جهود خادم الحرمين للم الشمل العربى
أكد الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن الوحشية التى تمارسها الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية تجاوزت كل الحدود التى رسمتها الأديان والأخلاق. وأوضح فى كلمته الافتتاحية بمؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب، أن هذا المؤتمرَ الجامعَ لشخصيَّاتٍ بارزةٍ مِن الشرقِ العربى والإسلاميِّ، ومِن العالمِ الواسعِ الفَسِيحِ، من مُسلِمين: سُنَّة وشِيعة، ومسيحيِّين على اختلافِ طوائفِهم، ومن عقائدَ أُخرى نشَأت على أرضِ هذا الشرقِ وتَرَعرَعتْ على تُرابِه وتَربَّت على ثِمارِه وخَيْراتِه، هذا المُؤتَمرُ يأتى فى وقتٍ بالغِ الدِّقَّةِ والتعقيدِ والخطَر المُطبِق على بِلادِنا وشُعوبنا وقد دهَمَها من داخِلِها وخارِجِها..
فإنَّك حيثُما قلَّبتَ النَّظَرَ فى خريطةِ الشرقِ الأوسطِ فإنَّه يَرُوعُك هذا الوضعُ المَأساوي، والذى يُعييك البحثُ فيه عن سببٍ منطقى واحدٍ يُبرِّرُ هذا التدميرَ المُتعمَّدَ الذى حاقَ بالأرواحِ والدِّيارِ والإنسانِ، وراحَ يَستهدِفُ تفتيتَ أُمَّةٍ، وفناءَ حضارةٍ، وزَوالَ تاريخٍ. وقال إن الأزهرَ الشريفَ يُقدِّرُ حَقَّ التقديرِ جُهودَ خادمِ الحَرَمَيْنِ الشريفينِ فى سعيِه الدَّؤُوبِ لجَمعِ الشَّملِ العربى فى مُواجهةِ التحدِّياتِ والأخطاِر التى تُحدِقُ بالأُمَّةِ. وقال، إنَّنى لأُسائِلُ نفسى وزائرى ليلَ نهارَ عن أسبابِ هذه المِحنةِ العرَبيَّةِ، وهذه الفتنةِ العَمياءِ المَمزُوجةِ برائحةِ الدَّمِ والموتِ، والتفجيراتِ، وقطعِ رُؤوسِ البَشَرِ، والتهجيرِ بالمَلايين والتَّدميرِ للعُمران والأوطانِ فى وَحشيةٍ لم يَعرِفْها التاريخُ من قَبلُ، ولَن يَعرِفَها مُستَقبَلاً لغيرِ هذه الفصائلِ الطارئةِ علينا وعلى حَضارتِنا وثقافتِنا، والتى تَجاوَزت كلَّ الحُدودِ التى رسَمَتْها الأديانُ والأخلاقُ والأعرافُ الإنسانيَّةُ، وهذه الحدودُ هى فَرقُ ما بينَ الوحشِ المُفترِسِ، وبينَ الإنسانِ العاقلِ المُفكِّرِ.
وأوضح أن نظريَّةَ المُؤامَرةِ ليست هى كلَّ ما هنالك، فهناك سَببٌ أعمَقُ يَذهبُ بَعيدًا فى أطواءِ تاريخِنا العربى والإسلاميِّ، ويَكادُ يَكونُ مَنهجًا ثابتاً فى علاقاتِنا الداخليَّةِ، ذلكم هو مَنهجُ الفِرقةِ والتنازُعِ والاختلافِ، ولا أُريدُ أن أتوَقَّفَ قليلاً ولا كثيرًا عند هذه الآفةِ التى حذَّرَنا القُرآنُ الكريمُ من مَغبَّتِها المُهلِكةِ، وذلك فى قولِه تعالى: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ أن اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” {الأنفال/46}.
وأوضح الأمام الأكبر أن أمَّتنا رغمَ ما خَصَّنا اللهُ به من بينِ سائرِ الأُمَمِ بمُقوِّماتِ الوحدةِ والاتِّحادِ، من لغةٍ وجنسٍ وعِرقٍ ودِينٍ وتاريخٍ وجُغرافيا أيضًا، وبرغم جامعتِنا العربيَّةِ ومُنظَّمةِ التعاوُنِ الإسلاميِّ، وقد مضى على إنشائِهما أكثرُ من نصف قرنٍ، فلا نزالُ نفتقرُ إلى اتِّحادٍ يُشبه الاتحادَ الأوربيَّ، وهو أمرٌ مُمكِن، وليس من عِدادِ المُستَحِيلاتِ، ولا يَحتاجُ إلَّا إلى صِدقِ النَّوايا والنَّظرةِ البَعِيدةِ واستِبعادِ الخِلافاتِ البَيْنيَّةِ، والعربُ لا شَكَّ مُؤهَّلون، بل قادِرون على صُنع هذا الاتِّحادِ أن أرادوا.