آراء حرة
عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: الفنزويليون.. والدمى المنتفخة
في فنزويلا، قرر تجار الملابس الجاهزة أن ينشروا غسيلهم القذر فوق الدمى، وأن يعرضوا، دون حياء، أخطر قضية تؤرق ضمائرهم المتعبة. فإن حملك كاحلاك يوما إلى أرصفة كاراكاس، فلا تمدن عينيك إلى واجهات المحلات، ولا تفكر في شراء ثياب لطفلتك المراهقة من دكاكينها الفارهة، فثياب المراهقات هناك فضفاضة كأخلاقهن، وبطونهن أكثر انتفاخا من صنم بوذا.
في شوارع كاراكاس، تتبادل المارات أمام البوتيكات الشهقات والنظرات الزائغة، وتتشابك أصابعهن فوق أحداقهن لإخفاء ما بدا من خجل مستحق فوق وجوههن المشربة بحمرة الخجل. “لو كنت أما، لما تمنيت لطفلي أن يرى شيئا كهذا، إنه لشيء فظيع،” لكن شهقات كيلي هرنانديز، بنت الثمانية عشر عاما، لم تلق من أصحاب الفكرة الصادمة إلا السخرية، لأنهم لا يرون أنهم أصحاب الصدمة ولا المروجين الفعليين للعار.
في كاراكاس، لا يتوارى صناع الدمى خلف بطونها المنتفخة، بل يمسكون بثياب المدارس فوقها يعرضون بضائع مجتمعهم القذرة أمام المشاة الذين ظلوا دهرا يوارون سوءاتهم ولا ينظرون إلى بطون فتياتهم، إلا على استحياء، حتى لا تهولهم الكارثة. “ويل لمجتمع تصدمه الدمى المنتفخة، ولا تحركه بطون فتيات المدارس الحبلى بالرذيلة،” تقول ثالما كوهين مديرة إحدى الجمعيات الخيرية، والمشرفة على تصميم الدمى المنتفخة، وتضيف: “نريد لهذا الأمر أن يصبح حديث المدينة.”
لكن المراقبين لا يتوقعون أن تأتي فكرة ثالما الصادمة بخير، لأنها ليست الفكرة الأولى من نوعها في مدينة يتقلص عفافها كل يوم آلاف الهكتارات. في عام 2012، عرفت فاترينات المدينة حملة أخلاقية مماثلة، فوقفت دميتان منتفختان خلف الزجاج وهما ترتديان ثياب حفلة راقصة لتحذرا فتيات كاركاس المحبات للرقص من التخلي عن رشاقتهن لأجل ليلة حمراء. كما قامت منظمة “الطريق المتحدة” ببيع حفاضات الأطفال عن طريق ماكينات البيع بالمدارس لتنبيه الفتيات إلى أعباء التخلي المبكر عن غشاء البكارة. لكن نسبة الفضيلة ظلت تتراجع أمام شهوات الجسد حتى سجل البغاء نسبة غير مسبوقة بين طالبات الثانوية في فنزويلا.
صحيح أن العرض المستفز لم يحظ بغضب شعبي جارف كذلك الذي فجرته لوحات منظمات الفضيلة في أمريكا، والتي وزعت على محطات مترو نيويورك العام الماضي صورا مريعة، لكن المرجح أن البطون البلاستيكية المنتفخة سوف تثير جدلا ونزاعات أسرية حادة بين أفراد عائلات قلما يلتقون. والمرجح أن تمتد حملة الدمى المنبعجة أكثر مما خطط لها أصحابها وأن تتجاوز سقف الشهر وحدود المكان.
في فنزويلا، قرر الساخطون على عهرهم أن يرفعوا رؤوسهم قليلا ليروا بطون الفضيلة وقد تعرت تحت ملابس التحرر المزعوم، وقرروا أن يحفظوا ما تبقى من أغشية طهر في بلاد نسيت فضيلتها، وركبت قطار العهر حتى استوقفتها البطون البلاستيكية المنتفخة. وفي كاراكاس، تستطيع كيلي هرنانديز أن تضع يدا فوق فاهها المفغور وأخرى فوق عينيها المتلصصتين وأن تطلق صيحة استهجان في أسواق بلادها الصاخبة، لكنها لن تستطيع أن تغمض عينيها وهي تمر أمام مدارس الفتيات ساعة ذروة.
ربما يكتفي الفنزويليون بسب أصحاب الفكرة، وغض أبصارهم وهم يمرون أمام فاترينات المحلات المستفزة، لكنهم لن يستطيعوا مواجهة مآزقهم الأخلاقية إلا بالتوقف قليلا عن الانفعالات المكرورة والادعاءات الرخيصة، والتعامل بموضوعية تامة مع قياسات فتياتهم عند الخصر وفوقه.