آراء حرة
حسام نصار يكتب: فايزة أبو النجا
في معرض دفاعي على الفيسبوك والتويتر عن اختيار فايزة أبو النجا كمستشار الرئيس للأمن القومي أمام الهجمة العاتية من الإعلام الأمريكي والنشطاء وبعض الجهلاء بقدرها وبعض الأروقة الإعلامية ذات الغرض، سألني أحد الأصدقاء الصحفيين المحترمين، لماذا تعيينها كمستشار في حين أنه كان من الممكن الاستعانة بها في الجهاز التنيفيذي، وتساءل عن القيمة المضافة للمنصب لا للشخص في ظل عملها الاستشاري، وكان ردي السريع والحاسم هو أن حافظ إسماعيل تولى هذا المنصب من قبل، وكان دوره آنذاك أهم من دور أي وزير أو رئيس حكومة في الجهاز التنفيذي.
وسعدت كثيراً حين تطرق الصديق الصحفي الكبير عبدالله السناوي لحافظ اسماعيل في استهلالة مقاله عن تعيين فايزة أبو النجا، ولكني تعجبت كثيراً من متن مقاله ونهايته المتسائلة عن قدرات فايزة أبو النجا مقارنة بحافظ إسماعيل كأحد المنتمين للمؤسسة العسكرية، وجاء استغرابه هذا على حد قوله، ” فهى سيدة تتولى منصبا ينظر إليه بقوة الواقع على أنه شأن عسكرى محض يتولاه أحد أبناء المؤسسة لا شخصية مدنية”، أي أنه وضع – بقوة الواقع- انتماء شاغل المنصب للمؤسسة العسكرية كأحد الشروط اللازمة لشغله، وهذا هو العجيب في شأن مقال العزيز عبدالله السناوي، الذي ذهب به على طريقة هيكل يميناً ويسراً، وجتوباً وشمالاً، ليخرج علينا بجملة استغرابات شديدة في إغرابها.
وكان عجبي، كيف بهذا الكاتب الأريب الواعي المدرك، وبعد أن استدعى حافظ اسماعيل للمقارنة، أن يفوته أن أساس استدعاء السادات له كمستشار للأمن القومي لم يكن في الحقيقة لطبيعته العسكرية، بقدر ما كان لطبيعة عمله الدولية والسياسية، لأن علاقة حافظ اسماعيل بالعسكرية لم تمتد طويلاً في الحقيقة، وكان سر عظمته هو قدرته على التفوق في مجالات سياسية ودبلوماسية لم يجاريه فيها أحد من أقرانه العسكريين الذين انتقلوا للعمل الدبلوماسي، فكان سفيراً لمصر منذ مطلع الستينات، في أنجلترا وفرنسا وأيرلندا وإيطاليا ومالطا، ثم وزير دولة للشئون الخارجية ثم نائباً لرئيس الوزراء قبل أن يولّيه السادات منصب مستشاره للأمن القومي.
وكان مسار حافظ اسماعيل الوظيفي غير العسكري، قريب الشبه إلى حد التطابق مع فايزة أبو النجا، كان كل منهما سفيراً فوق العادة، وكان كل منهما وزير دولة للشئون الخارجية، وكان كل منهما نائباً لرئيس الوزراء، فالأمن القومي إذن مسار طبيعي لكليهما، وأساسه كان العمل الدبلوماسي الدولي لا سابق الخبرة العسكرية، وقد كان هذا رغم الأربعة عقود التي انصرمت بينهما، على حد عنونة السناوي لمقاله.
فما بال كاتبنا الكبير بعد أن فاته هذا، أن يفوته فارق الإيقاع بين الأربعة عقود التي ذكرها، بل وتغير طبيعة الحروب التي تخوضها مصر من حروب ميدانية إلى حروب عولمية، تلعب فيها أعمدة العولمة دوراً مختلفاً كل الاختلاف، مابين تطور تكنولجي، ووسائط إعلامية واجتماعية حديثة، وشبكات اقتصادية يصعب معها التفرقة بين ما هو محلي وما هو عولمي، وعوالم مفتوحة على مصراعيها تستهدف الاستحواذ الكامل على مقدرات الاقتصاديات الناشئة لصالح شركات متعددة الجنسية لها فروع محلية وأقليمية وشبكات عمولات وتوكيلات لرجال أعمال ارتبطت مصالحهم بمصالح تلك الشركات ودول منشأها، بل وسياساتها الداخلية والخارجية.
كيف فات على الناصري المخلص كل هذا في تحليلاته الاستغرابية، أن كل هذه الظواهر المحدَثة، أصبحت من متطلبات الأمن القومي في وطن تعرض لمؤامرة كبرى استهدفت سيادته الاقتصادية والإعلامية والثقافية بل والاجتماعية أيضاً. كيف فات على ابن ناصر كل هذا ليختزل الأمن القومي في – قوة واقع – معتادة، دون النظر لكل هذه الاعتبارات، التي تتطابق معطياتها مع قدرات فايزة أبو النجا تطابقاً شبه تام، لا تجعلها فقط الأصلح لهذا المنصب في ظل تمكن المؤسسة العسكرية الاستراتيجي من عناصر الأمن القومي في شقه العسكري الصرف دون حاجة لخبرات إضافية يتم تصعيدها لشغل منصب مستشار الرئيس للأمن القومي، أقول أن فايزة أبو النجا ليست الأصلح فقط لهذا المنصب، بل هي الأصلح على الإطلاق وتكاد تتفرد في وصفه الوظيفي.
أما عجبي من تطابق استغرابات السناوي الناصري مع استغرابات الاستعمار القديم والجديد، فلا مجال لها الآن.
ولا حول ولا قوة إلا بالله