مصر الكبرى
المصريون يختارون بين الدولة المدنية والدولة الدينية
 
عندما يذهب المصريون يوم الأربعاء القادم إلى صناديق الإقتراع, فهم سوف يحددون بأصواتهم ما هو شكل الدولة التي يريدونها في المستقبل, هل هي دولة مدنية أم دولة دينية. فقد ظلت مصر خاضعة لسيطرة الحكم الأجنبي – الروماني والعربي – لحوالي ألف و 800 سنة, حتى جاء محمد علي باشا من ألبانيا لينتزعها من يد آل عثمان ويعيدها دولة مستقلة ذات سيادة. وعندما قام جمال عبد الناصر بإنقلاب يوليو ضد أسرة محمد علي, أعلن في كتابه عن فلسفة الثورة رفضه لمشروع محمد علي في تحديث مصر, وقال إنه كان واحدا من المماليك. والآن يتعرض مشروع محمد علي الحضاري إلى هجوم آخر من عبد المنعم أبو الفتوح المرشح السري للإخوان, فقد كتب في جريدة الشرق الأوسط يقول: "عبر التاريخ الطويل ترافق نهوض المصريين وريادتهم بالفكرة الدينية, وكان افتقار مشروع النهوض والتجديد في تجربة محمد علي … إلى الفكرة الدينية, نقصا كبيرا لمكون شديد الأهمية عند المصريين". (20 مايو 2012)
   فهل صحيح أن المصريين صاروا أقل تدينا بعد استقلالهم عن الدولة العثمانية؟
  من المعروف أن المصريين هم أول الشعوب التي بنت المعابد ونظمت العبادة, كما آمن المصريون بالروح والقيامة منذ خمسة آلاف عام, حتى قبل عصر الأنبياء والرسل. وفي مصر نادى إخناتون الملك بوحدانية الرب نور السماوات والأرض, لا صورة ولا تمثال. ولكن هذا لا يعني أن يقوم الكهنة ورجال الدين بحكم البلاد, ولا أن يقوم الحكم السياسي على أساس جيني, فالدين ما هو إلا عقيدة وعبادة. وحتى بعد اعتناق المصريين للإسلام ظل إيمان المصرين قائما على العقيدة والعبادة, ولم يظهر الإسلام السياسي في بلادنا إلا على يد حسن البنا في منذ أقل من قرن من الزمان.
   ومع هذا يحاول أبو الفتوح خداع المصريين لإفهامهم أن الإسلام هو الجهاد, وليس الإيمان والعقيدة والصوم والصلاة. فأبو الفتوح ينكر رفاعة رافع الطهطاوي والشيخ محمد عبدة وطه حسين وجميع فقهاء الأزهر, كل هؤلاء الذين ترعرعوا في ظل الدولة المدنية التي أقامها محمد علي, لا يمثلون لدى أبو الفتوح الدين الإسلامي.  
   فتاريخ مصر الحديث يبدأ منذ تولى محمد على الحكم عام 1805, بناء على اختيار الشعب له. وكانت فترة حكم محمد علي باشا بمثابة نقطة تحول جوهري في تاريخ مصر, وبداية لبناء الدولة المصرية الحديثة. فقد تمكن الباشا من القضاء على طبقة البكوات المماليك التي كانت تسيطر على مقاليد الحكم في البلاد, وقام بتركيز السلطة السياسية في يد حكومته في القاهرة. كما تخلص تدريجيا من الجنود الباشبوزق وكون جيشا نظاميا حديثا من الفلاحين المصريين. وفي النهاية تمكن محمد علي من انتزاع مصر خارج تبعية الدولة العثمانية, ليصبح المصريون مواطنين في دولتهم المستقلة بعد أن كانوا رعايا لدولة الخلافة في الأناضول.
   فهل صحيح أن مصر ابتعدت الإسلام منذ أن أخرجها محمد علي من سيطرة الدولة العثمانية, أم أن أبو الفتوح يعتقد أن استقلال مصر عن الخلافة يعتبر خروجا عن عقيدة الإسلام؟
أحمد عثمان